سوريا.. ونفاق الغرب ...روبرت فيسك
هل هناك حقا ما يثير الدهشة في هروب الجيش الحر من مدينة حمص؟ هل كان أحد يتوقع أن يهرب النظام بسبب مئات من الرجال المدججين بالكلاشنيكوف ممن يريدون تدشين انتفاضة وارسو مصغرة في حمص؟ وهل يصدق أحد فعلا أن مقتل النساء والأطفال والصحافيين قد يمنع من يرتدون عباءة القومية العربية من السيطرة على المدينة؟
لقد فهم السوريون جيدا النفاق الغربي، عندما تبنى الغرب فرِحا أوهام نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون وهيلاري كلينتون ودول الخليج الذين يطالبون بالديموقراطية لسوريا ويرفضون منحها لشعوبهم.
فهل يخطط السعوديون الحريصون الآن على التسليح (...) في سوريا، إلى جانب قطر، لتسليم السلطة في بلادهم للمواطنين ؟ وهل يفكر أمير قطر بالتنحي؟ في وقت تحولت حمص لدى جماعات الضغط في واشنطن والواهمين في معهد «بروكنغز» ومؤسسة «راند» و«مجلس العلاقات الخارجية» وفي افتتاحيات «نيويورك تايمز» إلى بنغازي جديدة.
أما الدليل الأوضح على النفاق المتزايد من قبل الدول الغربية فيتجلى بواقع مفاده أنه كلما ارتفعت حدة خطاب كل من ساركوزي وكاميرون وكلينتون الذين ينتقدون "الفظائع" في سوريا، كلما تمسكوا برفضهم تسليح المعارضة، وحجتهم في ذلك أن هناك شروطا لا بد من تلبيتها. على المعارضة أن تتوحد في صوت واحد حتى تنال الدعم، كما لو أن هذه الشروط نجحت أيضا في الحالة الليبية.
باختصار، نفاق ساركوزي جلي للغاية في ادعائه حماية السوريين، إنه يسعى لتعزيز حظوظه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية. هذا الرجل الذي «جنّد» مئات من الدبلوماسيين و«الخبراء» لـ«إنقاذ» الصحافية الفرنسية إديت بوفييه التي احتجزت في بابا عمرو معرقلا عمل جميع المنظمات غير الحكومية، هو نفسه الرجل المثير للشفقة الذي ندّد بسخرية بتصرف الصحافيين الفرنسيين، الذين احتجزتهما طالبان قبل أشهر في أفغانستان، ووصفهما بالتهور.
الانتخابات الروسية، الانتخابات الفرنسية، الانتخابات الإيرانية وبالتأكيد الانتخابات الأميركية… إنه لأمر مدهش في هذه المناسبات كيف يمكن لـ«الديموقراطية» أن تحرف السياسات الخارجية للدول المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط عن مسارها الصحيح.
… للأسف هناك عادة محزنة هي اتهام كل من يحاول المجاهرة بالحقيقة بأنه مأجور. فأولئك الذين اعتبروا أن الجيش الإيرلندي قد يجد في نهاية المطاف طريقه إلى السياسة والحكومة تم اتهامهم بـ«التواطؤ مع الإرهابيين». وعندما قلت في اسطنبول قبل عيد الميلاد إن النظام لن ينهار بسرعة كالديكتاتوريات العربية الأخرى، بدأ شاب سوري بالصراخ في وجهي مطالبا بمعرفة «حجم المبلغ الذي أتقاضاه من نظام الأسد مقابل كلامي...
… الرئيس الأسد ليس نكرة. إنه يأخذ القرارات. وكما أتى الراحل حافظ الأسد إلى السلطة في ثورة تصحيحية، سيكون هناك مكان لـ التصحيحات دائماً.
روبرت فيسك
2012/3/10