أحمد شوقي
صوني جمالك
اللهُ فِي الخَلقِ مِن صَبٍّ وَمِن عَانِـي
تَفنَى القُلوبُ وَيَبقَى قَلبُكِ الجانِـي
صُونِي جَمالَكِ عَنَّـا إِنَّنـا بَشَـرٌ
مِنَ التُّرَابِ وَهَذَا الحُسنُ روحَانِـي
أَو فَابتَغِـي فَلَكـاً تَأوينَـهُ مَلَكـاً
لَم يَتَّخِذ شَرَكاً فِي العَالَمِ الفَانِـي
يَنسابُ فِي النُّورِ مَشغُوفاً بِصورَتِـهِ
مُنَعَّماً فِي بَديعاتِ الحُلَـى هَانِـي
إِذا تَبَسَّمَ أَبـدَى الكَـونُ زِينَتَـهُ
وَإِن تَنَفَّسَ أَهدَى طِيبَ رَيـحَـانِ
وَأَشرِقي مِن سَماءِ العِـزِّ مُشرِقَـةً
بِمَنظَـرٍ ضاحِـكِ الـلألاءِ فَتَّـانِ
عَسَى تَكُفُّ دُموعٌ فِيـكِ هَامِيَـةٌ
لا تَطلُعُ الشَّمسُ وَالأَنداءُ فِـي آنِ
يَا مَن هَجَرتُ إِلَى الأَوطانِ رُؤيَتَـها
فَرُحتُ أَشوَقَ مُشتـاقٍ لأَوطـانِ
أَتَذكُرينَ حَنينِي فِي الزَّمـانِ لَهـا
وَسَكبِيَ الدَّمعَ مِن تَذكارِها قَانِـي
وَغَبطِيَ الطَيرَ أَلقـاهُ أَصيـحُ بِـهِ
لَيتَ الكَريمَ الَّذِي أَعطَاكِ أَعطَانِـي
مضنى وليس
مُضْنَـى وَلَيْـسَ بِهِ حَـرَاكْ
لَـكـن يـَخِـفُّ إذَا رَآكْ
وَيَـمِيْـلُ مِـنْ طَـرَبٍ إذَا
مَا مِلْـتَ يَا غُصْـنَ الأرَاكْ
إنَّ الجَـمَالَ كَسَـاكَ مِـنْ
وَرَقِ المَحَاسِـنِ مَا كَسَـاكْ
وَنَبَـتَّ بَيـْنَ جَـوَانِحـي
وَالقَلْـبُ مِنْ دَمِـهِ سَـقَاكْ
حُلْـوَ الوُعودِ ، مَتَـى وَفَاكْ
أتُـرَاكَ مُنْجِـزُهَـا تُـرَاكْ
مِنْ كُلِّ لَفْـظٍ لَـوْ أذِنْـتَ
لأجْلـِهِ قَـبَّـلْـتُ فَـاكْ
أخَـذَ الحَـلاَوَةَ عَـنْ ثَنَـا
يَاكَ العِـذَابْ ، وَعَنْ لَمَـاكْ
ظُلْماً أقُـولُ : جَنَى الهَـوَى
لَـمْ يَجْـنِ إلاَّ مُقْـلَتَـاكْ
غَـدَتَا مَنِيَّـةَ مَـنْ رَأيْـتَ
وَرُحْـتُ مَنِيّـَةَ مَـنْ رَآكْ
قولوا له
قُولُـوا لَـهُ رُوحِـي فِـداهُ
هَـذَا التَجَنِّـي مـا مَـداهُ
أَنـا لَـم أَقُـم بِـصُـدودِهِ
حَتَّـى يُحَمِّـلُـنِـي نَـواهُ
تَجـري الأُمـورُ لِغـايَـةٍ
إِلاَّ عَـذابِـي فِـي هَــواهُ
سَمَّيـتُـهُ بَـدرَ الـدُّجَـى
وَمِـنَ العَجـائِـبِ لا أَراهُ
وَدَعَوتُـهُ غُصـنَ الرِّيـاضِ
فَلَـم أَجِـد رَوضـاً حَـواهُ
وَأَقولُ عَنـهُ أَخـو الغَـزالِ
وَلا أَرى إِلاَّ أَخـــــاهُ
قَـالَ العَـواذِلُ قَـد جَفـا
مَا بَـالُ قَلبِـكَ مَـا جَفـاهُ
أَنا لَو أَطَعـتُ القَلـبَ فِيـهِ
لَـم أَزِده عَـلـى جَــواهُ
وَالنُّـصـحُ مُـتَّـهَـمٌ وَإِن
نَثَـرَتـهُ كَالـدُّرِّ الشِّفـاهُ
أُذُنُ الفَـتَـى فِـي قَلـبِـهِ
حينـاً وَحينـاً فِـي نُهـاهُ
خدعوها بقولهم
خَدَعُـوهَـا بِقَـوْلِهِـمْ حَسْنـاءُ
والغَـوَانِي يَـغُـرَّهُـنَّ الـثَّنَـاءُ
أَتُـرَاهَا تَنَـاسَـتِ اسْمِـيَ لَمَّـا
كَثُـرَتْ فِـي غَرامِهَـا الاسْمـاءُ
إنْ رَأتْنِي تَمِيـلُ عَنَّي ، كَأنْ لَـمْ
تَـكُ بَيْنِـي وَبَيْنِهَـا أشْـيــاءُ
نَظْـرَةٌ ، فَـابْتِسَـامَةٌ ، فَسَـلامُ
فَكَـلامٌ ، فَـمَـوْعِـدٌ ، فَلِقَـاءُ
يَوْمَ كُنَّا وَلا تَسَـلْ كَيْـفَ كُنَّـا
نَتَهَـادَى مِنَ الـهَوَى مَا نَشـاءُ
وَعَليْنَـا مِـنَ العَفَـافِ رَقِيْـبُ
تَعِبَـتْ فِـي مِـرَاسِـهِ الاهْـوَاءُ
جَاذَبَتْنـي ثَوبِي العَصـيِّ وقَالَـتْ
أَنْتُـم النَّـاسُ أَيُّـهَـا الشُّعَـرَاءُ
فَاتَّقـوا اللَّهَ فِي قُلـوبِ العَـذَارَى
فَالعَـذَارَى قُلُـوبُهُـنَّ هَــوَاءُ
علموها كيف يجفو
عَلَّمـوهُ كَيْـفَ يَجْفـو فَجَفَـا
ظَالـمٌ لاَقَيْـتُ مِنْـهُ مَا كَفَـى
مُسْرِفٌ فِي هَجْـرِهِ مَـا يَنْتَهـي
أَتُـراهُـمْ عَلَّـمـوهُ السَّـرَفَـا
جَعَلُـوا ذَنْبِـي لَـدَيْـهِ سَهَـري
لَيْتَ بَدّري إذ دَرَى الذَّنْـبَ عَفَـا
عَـرَفَ النَّـاسُ حُقُوقِـي عِنْـدَهُ
وَغَرِيْمـي مَا دَرَى ، مَا عَـرَفَـا
صَحَّ لِي فِي العمْـرِ مِنْـهُ مَوْعِـدٌ
ثُم مَـا صَدَّقْـتُ حَتَّـى أَخْلَفَـا
وَيَرَى لِي الصَّبـرَ قَلْبٌ مَـا دَرَى
أنَّ مَـا كَلَّفَنـي مَـا كَـلَّـفَـا
مُسْتَهَـامٌ فِي هَـوَاهُ مُـدْنَـفٌ
يَتَـرَضَّـى مُسْتَهَـامـاً مُدْنَفَـا
يـَا خَليْلَـيَّ صَفَـا لـي حِيلَـةً
وَأرَى الـحِيـلَـةَ أنْ لاَ تَصِفَـا
أنَا لَوْ نَادَيْتُـةُ فِـي ذِلَّـةٍ هِـيَ
ذِي رُوحي فَخُذْهَـا مَا احْتَفَـى
روعوه فتولى
رَوّعـوه ، فـتَـولَّـى مُغْضَبــاأَعلِمتـم كيـف تـرتـاعُ الظِّبـا
خُلِـقـت لاهِـيـةً نـاعـمـةرُبَّمـا رَوَّعهـا مـرُّ الـصَّـبـا
لـي حبيـبٌ كلَّمـا قيـل لـهصَـدَّقَ القـولَ، وزكَّـى الرِّيَبـا
كـذب العُـذَّالُ فيمـا زعمـواأَمَلـي فِـي فاتِنـي مـا كذبـا
لـو رَأَوْنـا والـهـوى ثـالثُنـاوالدُّجى يُرْخِـي علينـا الحُجُبـا
فِي جِـوار الليـل ، فِي ذمَّـتِـهنذكـر الصبـحَ بـأَن لا يقربـا
مِـلءُ بُرْدَينـا عفـافٌ وهـوىحفظ الحسـنَ ، وصنـتُ الأَدبـا
يـا غـزالاً أَهِـلَ القلـبُ بـهقلبـي السَّفْـحُ وأَحْنـى ملْعبـا
لـك مـا أَحببـت مِـنْ حَبَّتِـهمَنهـلاً عَذبـاً ، ومَرْعـىً طَيِّبـا
هو عنـدَ الـمالكِ الأَوْلَـى بـهكيـف أَشكـو أَنـه قـد سُلِبـا
إن رأَى أَبْقَـى علـى مـملوكـهأَو رأَى أَتلفــه واحـتـسـبـا
لـكَ قـدٌّ سـجـدَ البـانُ لـهوتـمنَّـتْ لـو أَقلَّتْـه الـرُّبـى
ولِحـاظٌ ، مـن معانـي سحـرهجـمع الجفـنُ سهامـاً وظُبـى
كـان عـن هـذا لقلبـي غُنْيَـةٌما لقلبـي والـهوى بعـد الصبـا
فِطرتـي لا آخُـذ القلـبَ بـهاخُلِـقَ الشاعِـرُ سِمحـاً طَرِبـا
لو جَلَـوْا حُسْنَـكَ أَو غَنَّـوْا بـهلِلَبِيـدٍ فِـي الثمـانيـن صَـبـا
أَيهـا النفـسُ ، تجدّيـن سُـدًىهـل رأَيـتِ العيـش إلا لَعِبـا
جَرِّبـي الدنيا تَهُنْ عنـدكِ ، مـاأَهونَ الدنيـا علـى مـن جرّبـا
نلتِ فيـما نِلْـتِ مـن مَظهرهـاومُنِحْـتِ الخلـدَ ذكـراً ، ونَبَـا
قمرية الوادي
بِي مِثـلُ مَا بِكِ يا قُمرِيَّـةَ الـوَادِي
نادَيتُ لَيلَى فَقُومِي فِي الدُّجَى نَـادي
وَأَرسِلي الشَّجوَ أَسجَاعـاً مُفَصَّلَـةٌ
أَو رَدِّدِي مِن وَراءِ الأَيـكِ إِنشَـادي
لا تَكتُمي الوَجدَ فَالجُرحانِ مِن شَجَنٍ
وَلا الصَّبـابَـةَ فَالدَمعـانِ مِـن وادِ
تَذَكَّـري هَل تَلاقَينـا عَلَـى ظَمَـإٍ
وَكَيفَ بَلَّ الصَّدَى ذُو الغُلَّةِ الصَّـادي
وَأَنتِ فِي مَجلِـسِ الرَيحَـانِ لاهِيَـةٌ
ما سِرتِ مِن سامِرٍ إِلاَّ إِلَـى نَـادي
تَذَكَّري قُبلَـةً فِـي الشَعـرِ حائِـرَةً
أَضَلَّها فَمَشَت فِـي فَرقِـكِ الهَـادي
وَقُبلَـةً فَـوقَ خَـدٍّ ناعِـمٍ عَطِـرٍ
أَبهَى مِنَ الوَردِ فِي ظِلِّ النَّدى الغَـادي
تَذَكَّري مَنظَـرَ الـوَادِي وَمَجلِسَنـا
عَلَى الغَديرِ كَعُصفورَينِ فِي الـوَادي
وَالغُصنُ يَحنُو عَلَينـا رِقَّـةً وَجَـوىً
وَالمـاءُ فِـي قَدَمَينـا رائِـحٌ غَـادِ
تَـذَكَّـري نَغَمـاتٍ هَهُنـا وَهُنـا
مِن لَحنِ شادِيَةٍ فِي الدَّوحِ أَو شَـادي
تَذَكَّري مَوعِداً جـادَ الزَّمـانُ بِـهِ
هَل طِرتُ شَوقاً وَهَل سابَقتُ مِيعَادي
فَنلتُ مَا نلتُ مِن سُـؤلٍ وَمِن أَمَـلِ
وَرُحتُ لَم أَحصِ أَفرَاحِي وَأَعيَـادي
هاجر دائي
مِنـكَ يَـا هَـاجِـرُ دَائِـي
وَبِـكَـفَّـيـكَ دَوَائِــي
يَـا مُنَـى رُوحِـي وَدُنيـايَ
وَسُـؤلِــي وَرَجـائِــي
أَنـتَ إِن شِـئـتَ نَعِيمِـي
وَإِذا شِـئـتَ شَـقـائِـي
لَيـسَ مِـن عُمـرِيَ يَـومٌ
لاَ تَـرَى فِـيـهِ لِقَـائِــي
وَحَيـاتِـي فِـي التَّـدانِـي
وَمَمـاتِـي فِـي التَّنـائِـي
نَم عَلَـى نِسيـانِ سُهـدِي
فِيكَ وَاضحَك مِـن بُكَائِـي
كُـلُّ مَا تَرضـاهُ يَا مَـولايَ
يَـرضَـــاهُ وَلائِـــي
وَكَمـا تَـعـلَـمُ حُـبِّـي
وَكَمـا تَـدرِي وَفـائِــي
فِيـكَ يَـا راحَـةَ رُوحِـي
طَـالَ بِالـوَاشِـي عَنـائِـي
وَتَـوارَيـتُ بِـدَمـعِــي
عَـن عُـيـونِ الـرُّقَـبـاءِ
أَنـا أَهـوَاكَ وَلا أَرضَــى
الهَـوَى مِـن شُـرَكـائِـي
غِرتُ حَتَّـى لَتَـرَى أَرضِـيَ
غَيـرى مِـن سَـمـائِـي
لَـيـتَـنِـي كُـنـتُ رِدَاءً
لَـكَ أَو كُـنـتَ رِدَائِـي
لَيتَنِـي مَـاؤُكَ فِـي الغُلَّـةِ
أَو لَـيـتَـكَ مَـائِـــي